عبّودي
تدخل إلى محله المتواضع فيستقبلك عبودي بابتسامته و تأهلاته الصادقة. يطلب منك أن تستريح على أحد المقاعد الجلدية في انتظار دورك، ساكباً لك فنجان القهوة " قهوة أهلا و سهلا" مرحباً بك مرة أخرى قبل انصرافه لإكمال عمله.
أعرف انكم تتسألون من هو عبّودي؟! و لماذا عبّودي؟
عبّودي يا أصدقائي هو شاب اسمه عبدالله‘ في ريعان شبابه و عطاءه، متعلم و مثقف، يخاف الله. اختار بلدتنا الصغيرة لتكون مصدر رزقه. استطاع كسب ثقة أهل البلدة بعمله النظيف الشريف و بكلمته الحلوة الصادقة. اتخذ من الحلاقة و التزيين مهنة له، و أخذ على عاتقه مهمة تزيين رؤوس رجال البلدة و شبابها و الاهتمام بذقونهم.
أما لماذا عبّودي؟ لقد اتخذت منه عنواناً ليس للدعاية، فهو أشهر من أن يعرف و صيته الاحترافي قد وصل ابداعاً في بلاد الاغتراب، بل لأنه يمثل عينة من عينات مجتمعنا الكادح الطموح المحب للحياة، الضائع في ظل الجو السياسي المتوتر المتشرذم. فعبّودي مثال و قدوة يحتذى بها في ما خص الحياد السياسي و رمز للجيل الطامح لأنه يعمل بشرف و يعطي مهنته ما تستحق.
إنه أخرس يتكلم عندما يسكت الزبائن المتعصبون، و أصم يسمع النكات فقط أو تعليق أحد المعلقين على مباراة كرة القدم حيث تسمعه يتفاعل مع مجريات المباراة أو يحاول تقليد صوت المعلق مسبباً بضحك الزبائن على انفعاله. و بالحديث عن التعصب، فتعصبه للكرة الأرجنتينية و خاصة "ليونيل ميسي" هما نقطة ضعفه لدرجة أنك عندما تدخل محله تظن نفسك في سفارة الأرجنتين أو تزور مزاراً للاعب الشهير "ميسي" فالصور تملأ الجدران و الأعلام تنسدل من السقف و المجسمات موزعة في زوايا المحل.
إذا تكلمت معه في أمور السياسة، لا تأخذ منه حقاً أو باطلاً لأنك لن تلقى سوى ابتسامةً و حركة من رأسه طالباً منك تعديل وضعيتك مظللاً سؤالك بصوت المقص و بحركة الممشط السريعة، تاركاً انطباعاً في نفسك كأنه يقذفك أو يلهيك عن اهتمامك بمعرفة ميوله السياسية، خاشياً من الانزلاق إلى جدال عقيم متجنباً حصول سوء تفاهم فيجبرك على احترام تمنعه.
بالنسبة للبعض، ليس ما هو مميز بالحديث عن هذا الشاب، و لكن العبر تستخلص من أبسط الأمور. الآراء تعبر عن وجهة نظر صاحبها ولا يمكن فرضها على أحد فحرية المرء تنتهي عند حرية الآخرين. أما لو أردنا أن نتوقف لحظة و نقرأ ما بين السطور، لتوصلنا إلى التوافق في استخلاص عبرة و اتخاذها شعاراً يقول: " ما دخلت السياسة في شيء إلا و أفسدته".
** هذا المقال نشر في العدد 454 من جريدة النهار " ملحق نهار الشباب" **
Comments
Post a Comment