كافيه الوحدة الوطنية ... !؟




في بلدٍ طمع فيه القاصي و الداني و قطعت أوصاله النزاعات. 
في وطنٍ عاف فيه الفساد سقماً و هاجرت منه الطاقات.
يبقى الأمل ضئيلاً ببزوغ فجر جديد، فجر الوطنية و رفض الإستزلام 
فجر العيش بكرامة و حب و وئام.

ما افسدته السياسة توحده الشعوب، شعب العلم و الحضارة و العزم المعقود
شوارع غصت بالمارة منذ عقود و عقود، تغنت الأمم بكرمنا الغير محدود
لكل شارع قصة يحكي عن امجاد بيروت التي في خضم المحنة تبقى قلعة للصمود.

التعددية في لبنان هي ميزة هذا الكيان و الانقسام السياسي كحديث الطرشان
شبابنا هدفه الهجرة و منهم من خضع للارتهان و تبدأ قصتنا من مقهى يجسد وحدة شعب لبنان.

بعيداً من زحمة سير جسر الكولا، يقع مقهى "الحاج كافيه" فكل طالب جامعي يعرف شارع المقاهي في إحدى شوارع الطريق الجديدة الفرعية و لكل شخص ارتاد هذه المقاهي ذكريات و مغامرات منهم من عرف الحب و كون صداقات. أما مقهى "الحاج كافيه" غني عن التعريف لأنه بات لا يحتاج للدعاية أو الترويج، أطلق عليه رواده الدائمين صفة "كافيه الوحدة الوطنية" لأنه جمع بين اللبنانيين و قرر إبعاد الدين و السياسة عن حرمه و منع من تداولها في أحاديث زواره بحيث أن الزبون في الداخل هو مواطن لبناني فقط لا غير.

تدخل من بابه الواسع، فتنقلك بضع درجات نازلة إلى صالة كبيرة أشبه بحديقة من الشتول و الصور و على الجدران أوراق مطبوعة تطالب الزبون بعدم الدخول في النقاشات السياسية نظراً لحساسية تلك الفترة التي تمر بها البلاد.
يستقبلك "المعلم ميدو" برحابة صدره و يرشدك نحو اختيار مكان جلوسك منتظراً تلبية طلباتك، واعزاً إلى إبراهيم الملقب "المعلم بوب" أن يأتيك بنرجيلة تجعلك تسلطن على أنغام المنوعات و فنجان قهوة يهدئك من الضوضاء.

ما يلفت نظرك على الطاولات المجاورة، وجوه مختلفة و على كل طاولة قصة أبطالها عليها جالسين. ترى أحمد يجلس مع علي و معروف و جورج على طاولة واحدة يتحاورون عن إحدى المحاضرات أو ينسخون الملاحظات، أو في جلسة شبابية يتحادثون في أمور البنات، ينرجلون و يضحكون  او يلعبون "برتية ليخة". و في زاوية أخرى يقبع ثنائي مكون من شاب و فتاة في جلسة رومنسية يتبادلان فيها نظرات الإعجاب و أسئلة تعارف و أحاديث القلوب. و في مكان آخر تجلس مجموعة من الفتيات، يضحكن و يتحدثن عن الشباب أو ما يخص أخبار الموضة و لفت الأنظار.

كم يتسع قلبك و تشعر بالأمان في مكان ترى فيه اللبنانيين مجتمعين محترمين بعضهم و متقبلين اختلافاتهم و توجهاتهم الدينية و السياسية. كم يعلو شأنك عندما ترى نفسك مقبولاً من الجميع و متقبلاً الجميع فتنسى أن هناك موالاة و معارضة و في أعماقك تردد عبارة "لبنان بألف خير". 

مشاهدات صغيرة في جلسة لا تتجاوز الساعة تعيد فيك الأمل. كل هذا في "الحاج كافيه" الذي نبذ التفرقة و شجع الوحدة و عن جدارة استحق لقب "كافيه الوحدة الوطنية".

** نشر هذا المقال في العدد 480 في جريدة النهار "ملحق نهار الشباب" **

    

Comments

Popular posts from this blog

حقيقة مرة

أعشقك